فتحي الذاري
❗خاص❗ ❗️sadawilaya❗
شهدت السياسة الأمريكية تحولاً ملحوظاً في تعاملها مع الأزمة اليمنية، حيث كان الاعتماد سابقاً على التواصل مع دول إقليمية، بينما تتجه واشنطن الآن نحو التفاوض المباشر مع اليمن حركة "أنصار الله". هذا التحول يعدّ اعترافاً ضمنياً بقوة الأمر الواقع الذي تفرضه الحركة على الأرض، ويؤكد في الوقت ذاته دروساً من الفشل العسكري الأمريكي، مما يحمل في طياته تداعيات خطيرة على ما يُعرف بـ "الشرعية".
إن قرار الولايات المتحدة بالجلوس مع اليمن "أنصار الله" لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة لتراكم العديد من التحديات التي أفشلت المساعي السابقة. يجري هذا التفاوض مع جماعة تُصنفها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية، مما يبرز أهمية فهم المعطيات الميدانية.
لقد واجهت واشنطن حقيقة دامغة تتمثل في سيطرة "أنصار الله" على مناطق رئيسية في اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء وميناء الحديدة، وهو ما يعيق أي محاولة لتجاوز هذه الحركة في البحث عن حلول سلمية. هذه السيطرة تجذرت في عمق النسيج الاجتماعي اليمني، مما يجعل من الصعب تجاوزها في أي تسوية مقبلة.تظهر المسيرات المليونية التي احتشدت في دعم القيادةالسياسية "أنصار الله" مدى شعبية الحركة وقوتها في الشارع اليمني. هذه الحشود تؤكد تأييداً شعبياً واسعاً للحركة، وتظهر تفهماً واسعاً من الشعب اليمني لأهدافها وأفكارها، مما يجعلها شريكًا لا يمكن تجاهله في أي مفاوضات مستقبلية.
تتسم الجغرافيا اليمنية بالتعقيد، حيث يستفيد "أنصار الله" من التضاريس الوعرة التي تجعل من الصعب على القوى الخارجية تحديد مواقعها المستترة. إضافةً إلى ذلك، تمكّنت الحركة من تطوير قدرات عسكرية متقدمة، بما في ذلك صواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيرة، مما أتاح لها القدرة على تنفيذ هجمات مؤثرة ضد أهداف بعيدة.
تجسد القدرة على مواجهة الضغوط العسكرية الأمريكية، واستمرار تنفيذ العمليات النوعية، نجاح "أنصار الله" في إرساء استراتيجيتها، وهو ما أرغم الولايات المتحدة على إعادة تقييم خياراتها. لقد أدى ذلك إلى انتقال واشنطن لتخلي عن الحلول العسكرية التي لم تنجح في تحقيق أهدافها.يؤكد التحول الأمريكي على مدى الانحدار في مكانة مايسمى "الحكومة الشرعية"، حيث يُعتبر التفاوض المباشر مع "أنصار الله" بمثابة تآكل لشرعية "الشرعية" . هذا يطرح تساؤلات حول قدرة الحكومة المدعومة من الرياض على الاستمرار في تمثيل الشعب اليمني في المستقبل.
إن التوجه الأمريكي نحو التفاوض المباشر مع "أنصار الله" يمثل تحولاً أساسياً في المعادلات الإقليمية والدولية، ويؤكد الفشل في الاستراتيجيات العسكرية السابقة. بينما قد توفر هذه المفاوضات فرصة لتهدئة الصراع، فإنها أيضاً تؤكد تغييرات عميقة في موازين القوى، حيث يثبت أن اليمن "أنصار الله" لا يمكن تجاوزها كطرف رئيسي في أي تسوية مستقبلية . إن دعم الحركة الشعبي والقاعدة الجماهيرية الواسعة التي تستند عليها تجعلها قادرة على مواصلة موقفها كقوة فاعلة في المنطقة، مما يستدعي الحاجة الماسة لإيجاد حلول سياسية شاملة تعتمد على الاعتراف بهذه الحقائق.